على الرغم من أن خبر تعيين سفير للجزائر بإسبانيا أخذ حيزا كبيرا من الإهتمام الإعلامي والرسمي في إسبانيا، إلا أن الأمر مختلف في الجزائر التي تتعامل مع الموضوع بصمت،دون الكشف رسميا عن آخر المستجدات المتعلقة بعودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين ومدى استجابة الطرف الإسباني لشروط الجزائر.
سفير للجزائر بإسبانيا: هكذا بدأت الأزمة
تعود تفاصيل الأزمة السياسية بين الجزائر وإسبانيا إلى قرار الجانب الجزائري استدعاء سفيرها احتجاجا على تغير موقف إسبانيا لصالح خطة الحكم الذاتي التي يقرحها المغرب لتسوية قضية الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة متنازع عليها بين الرباط وجبهة البوليساريو.
وقد وضع هذا التحول حدا لحياد مدريد التاريخي بشأن هذه القضية، وهو ما قرره رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز في إطار التقارب الدبلوماسي مع الرباط حينها، إلا أنه لم يكن يتصور أبدا أن هذا القرار الارتجالي سيكلفه غاليا، ما تسبب في انقلاب الأحزاب السياسية وحتى رجال الأعمال عليه.
لذا فقد أثار هذا التبدل غضب الجزائر الداعمة لجبهة بوليساريو والتي قررت ردا على ذلك تعليق معاهدة الصداقة المبرمة عام 2002 مع مدريد والحد من المعاملات التجارية مع إسبانيا من خلال تجميد العمليات المصرفية.
سفير للجزائر بإسبانيا: انهيار اقتصادي
وكان لهذا القرار عواقب وخيمة على الشركات المعنية، خصوصا في قطاع الخزف والصناعة الغذائية والبناء، وأدى إلى تجميد مشاريعها وتراجع صادراتها.
وذكرت صحيفة “أندبندنتي” الإسبانية في وقت سابق، أن حوالي عشرين شركة مقرها في إسبانيا اتفقت على آلية للتوجه نحو القضاء، حيث أن معظم هذه الشركات صغيرة ومتوسطة لها حضور كبير في السوق الجزائرية.
ويأتي الهدف من هذه الدعوى القضائية حسب ذات المصدر، هو الحصول على تعويض عن الأضرار التي تعرضت لها الشركات بعد قطع الجزائر علاقاتها التجارية مع إسبانيا، بحيث تشير التقديرات إلى أن خسائر جميع الشركات الإسبانية التي لها تعاملات في الجزائر تتجاوز الآن 600 مليون أورو.
وتتمثل هذه الخسائر في عدم استلام الجزائر طلبيات كانت محجوزة وتم رفض استقبال حاويات قادمة من إسبانيا وتعطيل عملية دفع ثمن المواد التي تم استيرادها بعد وقف التوطين البنكي لعمليات الاستيراد من إسبانيا قبل سنة.
اقرأ أيضا: مدريد تلجأ إلى الوساطة الأوروبية لحل أزمتها مع الجزائر
سفير للجزائر بإسبانيا: خطوة أولى
وحسب آخر الاخبار المتداولة، فقد لاحت في الأفق بوادر إنفراجة في العلاقات المتوترة بين الجزائر وإسبانيا، مع تواتر أخبار عن قرب عودة السفير الجزائري إلى مدريد، بعد 19 شهرا من مغادرته المنصب، تعبيرا عن رفض بلاده إعلان إسبانيا تأييدها خطة الحكم الذاتي المغربية لحل نزاع الصحراء.
وتأتي هذه الأخبار تأكيدا لما نشرته صحيفة “إلكنفدونسيال” الإسبانية، التي أوضحت أن الجزائر “أبدت استعدادا لتعيين سفير جديد لديها في مدريد”، بعد سحب سفيرها السابق سعيد مويسي في 19 من مارس 2019. وقالت يومها إن سحبه تم بغرض التشاور، بعد أن غيرت إسبانيا موقفها من نزاع الصحراء. وبعدها بشهرين نقلت الدبلوماسي مويسي إلى باريس سفيرا جديدا لديها، فيما بقي المنصب شاغرا في مدريد.
وأوضح المصدر أن الجزائر التي استدعت سفيرها، في 19 مارس عام 2022، طلبت الضوء الأخضر من الحكومة الإسبانية لتعيين السفير الجديد، ومن المتوقع أن يصدر مجلس الوزراء موافقته خلال الأسابيع المقبلة.
وأورد الموقع الإسباني أن السفير الجزائري الجديد هو الدبلوماسي عبد الفتاح دغموم، المسؤول الثاني السابق في السفارة الجزائرية في مدريد والسفير الجزائري السابق في غينيا.
سفير للجزائر بإسبانيا: هل تم الخضوع لشرط الجزائر؟
وذكرت مصادر سياسية جزائرية رفيعة أن البلدين بصدد طي أزمتهما إيذانا بقرب عودة علاقاتهما إلى ما كانت عليه، علما بأن الجزائر سبق أن اشترطت رجوع إسبانيا إلى حيادها إزاء نزاع الصحراء، نظير عدولها عن قرارها تجميد «معاهدة الصداقة» ووقف التجارة معها، ولم توضح المصادر ذاتها إن كان هذا الشرط قد تحقق للجزائر أم لا.
لكن في الأيام الأخيرة، أعلنت سلطات الجزائر عن حركة جزئية في قطاعها الدبلوماسي، أبرز ما جاء فيها تعيين وزير الخارجية السابق، صبري بوقادوم، سفيرا في واشنطن. ووفق المصادر السياسية نفسها، فقد اختير سفير جديد بمدريد ضمن هذه الحركة، هو عبد الفتاح دغموم، السفير السابق لدى غينيا.
من جهته، صرح رئيس منتدى التجارة والصناعة الجزائري الإسباني جمال الدين بو عبد الله ، بأن سر الانفراجة في العلاقات الثنائية التي بدات بتعيين سفير للجزائر بإسبانيا يعود إلى اتصالات أجراها وفدا البلدين، على هامش مشاركتهما في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر الماضي. وتحدث عن عودة تدريجية للعلاقات بين البلدين، وعن توفر عدة عوامل ساهمت إيجابيا في إحداث وضع جديد.