خلّف تصريحات مسؤولين فرنسيين حول تحويل أموال المغتربين الجزائريين إلى بلادهم بخصوص المساعدات الاجتماعية في فرنسا، الكثير من الجدل على مستوى الطبقة السياسية بشكل خاص، كما خلق حالة من الانقسام بين مؤيد ومعارض باعتبارها خطوة من الحكومة الفرنسية لتحويل الانتباه عن الأزمة الاجتماعية التي تعيشها البلاد.
المساعدات الاجتماعية في فرنسا: نحو حرمان الجزائريين
لم يكن منتظرا أن تخوض الحكومة الفرنسية في أمر المساعدات الاجتماعية في فرنسا التي تقدمها لفئة معينة تحتاج إلى الدعم وتمس مختلف الجنسيات إلى جانب الفرنسييين أنفسهم، وخرج وزير الحسابات العمومية غابريال أتال في حكومة إليزابيت بورن، بالجدل حول ضرورة تشديد المتابعة على التحويلات المالية نحو الجزائر وغيرها من بلدان المغرب العربي.
وخصّ الوزير الفرنسي هذه الإجراءات، بالمساعدات الاجتماعية والضريبية، في خطوة يراها البعض محاولة من فرنسا تضييق الخناق على تحويل الأموال من المهاجرين الجزائريين إلى ابلادهم كجزء من المزايا الاجتماعية.
وتتعلق هذه القرارات غير المتوقعة بشكل خاص أيضا، بأولئك الذين يقضون أوقاتا طويلة في بلدانهم مقارنة بمكوثهم على التراب الفرنسي، حيث من المنتظر أن تصل هذه الإجراءات إلى درجة مراقبة الحسابات الخاصة بالمستفيدين منها وكذا تعقب تنقلاتهم عبر حركة الطائرات في رحلات الذهاب والإياب.
من جهته، دافع وزير الاقتصاد برونو لومير، يوم الثلاثاء الماضي في لقاء تم بثه على قناة BFM التلفزيونية، على هذه الإجراءات داعيا في ذلك إلى محاربة عمليات النقل غير المشروعة- حسب تعبيره- لأموال المغتربين الجزائريين وباقي مواطني دول شمال إفريقيا بشكل خاص إلى بلدانهم، وهو التصريح الذي أثار جدلا كبيرا في فرنسا.
وقال لومير “لقد سئم مواطنونا من الاحتيال”، وأضاف”النظام الاجتماعي الفرنسي مخصص لحماية الفئات الاجتماعية التي ساهمت باشتراكاتها في الصناديق، وليس لتحويل الأموال إلى الخارج بطريقة غير قانونية”، موضحا في ذلك أن ” الدافع من دفع الضرائب ليس الهدف منه أن يستفيد منها أشخاص يرسلونها فيما بعد إلى المغرب العربي أو أي مكان آخر، وبالتالي فهم غير مستحقين لها”.
المساعدات الاجتماعية في فرنسا: البداية كانت من خطاب ماكرون
واللافت للانتباه أن هذه التصريحات التي يراها البعض بداية للشروع في تطبيق اجراءات تعسفية بخصوصها، قد أعقبت خطاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ، تعهد من خلاله بـ” تعزيز السيطرة على الهجرة غير النظامية”، وكذا التحضير لإعلانات قوية ابتداء من ماي المقبل ضد ما أسماه بالاحتيال الاجتماعي والضريبي، والذي تبين لاحقا أنه يستهدف فئات مهاجرة بعينها ودون سواها.
وتشتبه الحكومة الفرنسية في هذا السياق بوجود عملية احتيال واسعة النطاق ، كما تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود 351 مليون أورو في عمليات الاحتيال المتعلقة بهذه المخصصات في عام 2022. ولوضع حد لهذه الظاهرة، تعتزم السلطة التنفيذية وضع تدابير رقابية صارمة حول تحويل الأموال مستقبلا.
المساعدات الاجتماعية في فرنسا: اليسار يرد على الحكومة
في المقابل، لم تمر هذه التصريحات دون أن تخلّف زوبعة كبيرة في المشهد السياسي في فرنسا، حيث رفضتها غالبية الأحزاب ووصفتها بالعنصرية ولاسيما بين الاحزاب ذات التوجه اليساري، وفي مقدمتهم الحزب الاشتراكي، الذي اتهم رئيسه أوليفيي فور حكومة ماكرون بالانزلاق نحو الأطراف اليمينية قائلا: “اليمين المتطرف يملأ الفراغ الحكومي بشكل خطير”.
طالع أيضا: إصلاحات نظام التقاعد في فرنسا: ماذا عن مصير المهاجرين والحراقة ؟
ومن جهته أكد النائب توماس بورت، من اليسار الراديكالي أن “الاحتيال الاجتماعي يقدر بما بين 1 إلى 2 مليار أورو سنويا”. مقابل “ما بين 80 إلى 100 مليار أورو سنويا” للاحتيال المالي. داعيا الوزير لومير إلى “الذهاب للتحقق من التحويلات المالية في سويسرا بدلا من الحديث عن المغرب العربي والتفوه بتصريحات عنصرية لليمين المتطرف”.
والجدير بالذكر أن الحكومة الفرنسية والرئيس إيمانويل ماكرون، يواجهان تراجعا متزايدا في شعبيتهما، خاصة بعد إقرار إصلاح نظام التقاعد، وسط أزمة سياسية واجتماعية متواصلة.